يوم الغدير ١٨ ذو الحجة هو وادٍ بين مكّة والمدينة، قريب من الجُحفة، وهو مفترق طرق للمدنيين والمصريين والعراقيين. فبعد أن أكمل رسول الله صلى الله عليه وآله حجّة الوداع رجع إلى المدينة المنوّرة، فلمّا وصل إلى وادي غدير خُمّ، هبط عليه الأمين جبرائيل عليه السلام، حاملاً له آية البلاغ: (يَا أَيُّهَا الرّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَم تَفْعَل فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعصِمُكَ مِنَ النّاسِ).فهي تنذر النبي صلى الله عليه وآله بأنّه إن لم ينفِّذ إرادة الله تعالى ذهبت أتعابه وضاعت جهوده، وتبدّد ما لاقاه من العناء في سبيل هذا الدين وكان الوقت قاسياً في حرارته، حتّى كان الرجل يضع طرف ردائه تحت قدميه ليتّقي به من الحرّ. فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله باجتماع الناس، فصلّى بهم، وبعدما انتهى من الصلاة أمر أن توضع حدائج الإبل لتكون له منبراً، ففعلوا له ذلك، فاعتلى عليها.وكان عدد الحاضرين كما ينقل المؤرّخون ـ مائة ألف أو يزيدون على ذلك، ثمّ قالصلى الله عليه وآله: «أمّا بعد: أيّها الناس، قد نبّأني اللطيف الخبير أنّه لم يعمّر نبيّ إلّا مثل نصف عمر الذي قبله، وإنّي أُوشك أن أُدعى فأُجيب، وإنّي مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون»؟ قالوا:نشهد أنّك بلّغت ونصحت وجاهدت، فجزاك الله خيراً.قالصلى الله عليه وآله:«ألستم تشهدون أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّ جنّته حقّ وناره حقّ، وأنّ الموت حقّ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث من في القبور»؟ قالوا:بلى، نشهد بذلك،فقال:«اللّهمّ اشهد».ثمّ قال:«فانظروا كيف تخلِّفوني في الثقلين»؟ فسأله أحدهم: ما الثقلان يا رسول الله؟ قالصلى الله عليه وآله: «الثقل الأكبر كتابُ الله؛ طَرفٌ بِيَدِ اللهِ عزّ وجلّ وَطرفٌ بِأَيديكُم، فَتَمَسّكُوا به لا تَضلُّوا، والآخر الأصغر عِترَتي، وإنّ اللّطيفَ الخَبيرَ نَبّأَنِي أنّهُمَا لن يَفتِرقا حتّى يَرِدَا عَلَيّ الحَوض، فَسَألتُ ذلك لَهما رَبِّي، فلا تُقَدِّمُوهُمَا فَتهلَكُوا، ولا تُقَصِّرُوا عَنهُمَا فَتَهلَكُوا».الإعلان عن ولاية الإمام عليعليه السلامثمّ أخذ صلى الله عليه وآله بيد الإمام علي عليه السلام ليفرض ولايته على الناس جميعاً، حتّى بان بياض إبطيهما، فنظر إليهما القوم. ثمّ رفع صلى الله عليه وآلهصوته قائلاً:«يَا أَيُّها النّاس، مَنْ أولَى النّاس بِالمؤمنين مِن أَنفُسِهم»؟فأجابوه جميعاً:اللهُ ورسولُه أعلم.فقالصلى الله عليه وآله:«إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاهُ». قال ذلك ثلاث مرّات، ثمّ قالصلى الله عليه وآله: «اللّهمّ وَالِ مَن وَالاَهُ، وَعَادِ مَن عَادَاهُ، وَأَحِبّ مَن أَحبّهُ، وَأبغضْ مَن أبغَضَهُ، وانصُرْ مَن نَصَرَه، واخْذُل مَن خَذَلَهُ، وَأَدِرِ الحَقّ مَعَهُ حَيثُ دَار، أَلا فَلْيُبَلِّغِ الشاهِدُ الغَائِبَ». ثمّ جلس رسول الله صلى الله عليه وآله في خيمة، وأمر علياً عليه السلام أن يجلس في خيمة أُخرى، وأمر صلى الله عليه وآله الناس، بأن يهنّئوا علياً في خيمته، فأقبل المسلمون يبايعون الإمام علي عليه السلام بالخلافة، ويهنِّئونه بإمرة المسلمين.ولمّا فرغ الناس عن التهنئة له عليه السلام، أمر رسول الله صلى الله عليه وآله أُمّهات المؤمنين أن يسرن إليه ويهنّئنه، ففعلن ذلك.وهنأ عمر ابن الخطاب الإمام علي عليه السلامقائلا:بَخٍ بَخٍ لك يا أبا الحسن، لقد أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة.بعد إبلاغ رسول الله صلى الله عليه وآله الناس بولاية علي عليه السلام، نزلت هذه الآية الكريمة: (اليَومُ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيكُمْ نِعمَـتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلامَ دِيناً).عن الامام الصادقعليه السلام: [إنّه يوم عيد وفرح وسرور، ويوم صوم شكراً لله، وإنّ صومه يعدل ستين شهراً من أشهر الحرم».وعنهعليه السلام: «صيام يوم غدير خُمّ يعدل عند الله في كلّ عام مائة حجّة، ومائة عمرة مبرورات متقبّلات، وهو عيد الله الأكبر».