أجمع أئمة أهل البيت عليهم السلام، على أن تربة الإمام الحسين عليه السلام هي شفاء من كل داء.
وقد انتشرت فكرة الاستشفاء بتربة الإمام الحسين عليه السلام في عهد الإمام الصادق عليه السلام، بعدما أصبح للشيعة كيان خاص، وصارت طائفة كبيرة من طوائف المسلمين، فأخذ الإمام الصادق عليه السلام يحث أصحابه وشيعته على لزوم التداوي بتربة الحسين عليه السلام، فقد وصف عليه السلام طين قبر الحسين بأنه شفاء من كل داء، وهو الدواء الأكبر، وفي رواية أخرى: أمانا من كل خوف، وروي الحسن بن أبي العلاء قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام، يقول: " حنكوا أولادكم بتربة الحسين فإنها أمان ".
وفي رواية ابن قولويه قال: حدثني محمد بن عبد الله، عن أبيه، عن عبد الله البرقي، عن بعض أصحابنا، قال: " دفعت إلي امرأة غزلا وقالت: ادفعه إلى حجبة مكة ليخاط به كسوة للكعبة، قال: كرهت إلى الحجبة وأنا أعرفهم، فلما أن صرنا إلى المدينة دخلت على أبي جعفر عليه السلام وقلت له: جعلت فداك أن امرأة أعطتني غزلا فقالت: ادفعه إلى حجبة مكة ليخاط به كسوة للكعبة، فقال: أشتر به عسلا وزعفرانا، وخذ من طين قبر الحسين عليه السلام واعجنه بماء السماء، واجعل فيه من العسل والزعفران، وفرقه للشيعة ليداووا مرضاهم ".
وذكر ابن قولويه رواية بسند إلى محمد بن زياد، عن عمته قالت: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن في طين الحائر الذي فيه الحسين عليه السلام شفاء من كل داء، وأمانا من كل خوف ".
وكان الإمام الصادق عليه السلام بحكم موقعه القيادي للشيعة، كان له موضع خاص ومقام فريد في نفوس أصحابه الذين عاصروه، فهو كان لهم قائدا وموجها ورادا على استفساراتهم وما أشكل من أمورهم، فقد روي عن ابن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: "يأخذ الإنسان من طين قبر الحسين عليه السلام فينتفع به ويأخذ غيره فلا ينتفع به! فقال: لا، والله الذي لا إله إلا هو، ما يأخذه أحد وهو يرى أن الله ينفعه به إلا نفعه الله به ".
وعنه عليه السلام قال: " من أصابته علة فبدء بطين قبر الحسين عليه السلام شفاه الله من تلك العلة، إلا أن تكون علة السام ".
ولنستمع إلى شهادة أحد الذين عولجوا بطين قبر الحسين عليه السلام وبرأوا بأذن الله تعالى، فقد ذكر ابن قولويه رواية بسند إلى محمد بن مسلم، قال: خرجت إلى المدينة وأنا وجع، فقيل له أي الإمام الباقر عليه السلام محمد بن مسلم وجع، فأرسل إلي أبو جعفر عليه السلام بشراب مع غلام مغطى بمنديل، فناولنيه الغلام وقال لي: أشربه، فإنه قد أمرني أن لا أبرح حتى تشربه، فتناولته فإذا رائحة المسك منه، وإذا بشراب طيب الطعم بارد، فلما شربته قال لي الغلام: يقول لك مولاك: إذا شربته فتعال.
ففكرت فيما قال لي وما أقدر على النهوض قبل ذلك على رجلي، فلما استقر الشراب في جوفي فكأنما نشطت من عقال، فأتيت بابه فاستأذنت عليه فصوت بي: صح الجسم أدخل.
فدخلت عليه وأنا باك، فسلمت عليه وقبلت يده ورأسه.
فقال لي: ما يبكيك يا محمد ؟! قلت: جعلت فداك أبكي على اغترابي وبعد الشقة وقلة القدرة، على المقام عندك أنظر إليك.
فقال لي: أما قلة القدرة فكذلك جعل الله أولياءنا وأهل مودتنا وجعل البلاء إليهم سريعا، وأما ما ذكرت من الغربة، فإن المؤمن في هذه الدنيا غريب وفي هذا الخلق المنكوس حتى يخرج من هذه الدار إلى رحمة الله، وأما ما ذكرت من بعد الشقة فلك بأبي عبد الله عليه السلام أسوة بأرض نائية عنا بالفرات، وأما ما ذكرت من حبك قربنا والنظر إلينا، وإنك لا تقدر على ذلك، فالله يعلم ما في قلبك وجزاؤك عليه.
ثم قال لي: هل تأتي قبر الحسين عليه السلام ؟ قلت: نعم، على الخوف ووجل، فقال لي: ما كان في هذا أشد بالثواب فيه على قدر الخوف، ومن خاف في إتيانه أمن الله روعته يوم يقوم الناس لرب العالمين، وانصرف بالمغفرة، وسلمت عليه الملائكة، ورآه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما يصنع، ودعا له، وانقلب بنعمة من الله وفضل لم يمسه سوء واتبع رضوان الله، ثم قال لي: كيف وجدت الشراب؟ فقلت: أشهد أنكم أهل بيت الرحمة وأنك وصي الأوصياء، ولقد أتاني الغلام بما بعثته وما أقدر على أن أستقل على قدمي، ولقد كنت آيسا من نفسي، فناولني الشراب فشربته فما وجدت مثل ريحه ولا أطيب من ذوقه ولا طعمه ولا أبرد منه، فلما شربته قال لي الغلام: إنه أمرني أن أقول لك: إذا شربته فأقبل إلي، وقد علمت من عقال، فالحمد لله الذي جعلكم رحمة لشيعتكم ورحمة علي! فقال: يا محمد إن الشراب الذي شربته فيه من طين قبر الحسين عليه السلام، وهو أفضل ما استشفي به، فلا تعدل به، فإنا نسقيه صبياننا ونساءنا فنرى فيه كل خير، فقلت له: جعلت فداك إنا لنأخذ منه ونستشفي به، فقال: يأخذه الرجل يخرجه من الحائر وقد أظهره فلا يمر بأحد من الجن به عاهة، ولا دابة ولا شئ فيه آفة إلا شمه، فتذهب بركته فيصير بركته لغيره، وهذا الذي نتعالج به ليس هكذا، ولولا ما ذكرت ما يمسح به شئ ولا شرب منه شئ إلا أفاق من ساعته، وما هو إلا كحجر الأسود أتاه صاحب العاهات والكفر والجاهلية، وكان لا يتمسح به أحد إلا أفاق، وكان كأبيض ياقوتة فأسود حتى صار ما رأيت.
فقلت: جعلت فداك كيف أصنع به؟ فقال: تصنع به مع إظهارك إياه ما يصنع غيرك مستخف به فتطرحه في خرجك وفي أشياء دنية فيذهب ما فيه مما تريده له، فقلت: صدقت جعلت فداك، قال: ليس يأخذه أحد إلا وهو جاهل بأخذه لا يكاد يسلم بالناس، فقلت: جعلت فداك وكيف لي أن آخذه كما تأخذه؟ فقال لي: أعطيك منه شيئا، فقلت: نعم، قال: إذا أخذته فكيف تصنع؟ فقلت: أذهب به معي، فقال لي: في أي شيئا تجعله؟ فقلت: في ثيابي، قال: قد رجعت إلى ما كنت تصنع، اشرب عندنا منه حاجتك ولا تحمله، فإنه لا يسلم لك، فسقاني منه مرتين، فما أعلم أني وجدت شيئا مما كنت أجد حتى انصرفت.
ثم بين الإمام الصادق عليه السلام كمية الطين المستخدم لغرض التداوي والعلاج، فذكر الكمية فقال: مثل رأس الأنملة، كما جاء في رواية أبو بكر الحضرمي عن الصادق عليه السلام قال: (لو أن مريضا من المؤمنين يعرف حق أبي عبد الله عليه السلام وحرمته، أخذ له من طين قبر الحسين صلى الله عليه وآله وسلم مثل رأس الأنملة كان له دواء وشفاء).
|